زيد بن الإمام زين العابدين ( عليه السلام )
ولادته :
وُلد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) بالمدينة بعد طلوع الفجر سنة ست وستين أو سبع وستين من الهجرة .
صفاته :
كان تام الخلق ، طويل القامة ، جميل المنظر ، أبيض
اللون ، وسيم الوجه ، واسع العينَين ، مقرون الحاجبيَن ، كَثُّ اللحية ،
عريض الصدر ، بعيدُ ما بين المنكبين ، دقيق المسربة ، واسع الجبهة ، أقنى
الأنف ، أسود الرأس واللحية ، إلا أن الشيب خالط عارضَيه.
وكان الوابشي يقول : إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه .
علمه ومناظراته :
نشأ في حجر أبيه الإمام السجاد ( عليه السلام ) ،
وتخرج على يده وعلى يد الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ، ومنهم
أخذ لطائف المعارف وأسرار الأحكام ، فأفحم العلماء واكابر المناظرين من
سائر الملل والأديان .
وكان عنده ما تحمله آباؤه الهداة من سرعة الجواب والوضوح في
البيان ، ممزوجاً ببراعة في الخطاب ، فبلغ من ذلك كله مقاماً لم يترك
لأحدٍ مُلتحَداً عن الإذعان له وبالنبوغ ، حتى أنك تجد المتنكبين عن خطة
آبائه ( عليهم السلام ) لم تدع لهم الحقيقة من ندحة عن الاعتراف بفضله
الظاهر .
فهذا أبو حنيفة يقول :
( شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله ، فما رأيت في زمانه أفقَه منه ولا أسرع جواباً ولا أبيَن قولاً ) .
ومن عثرنا على كلامه من أصحابنا الإمامية كأبي إسحاق
السبيعي ، والأعمش ، والشيخ المفيد ، وميرزا عبد الله ، المعروف بـ (
الأفندي ) .
وكذلك أبو الحسن العمري ، والسيد علي خان ، والحر العاملي ، والمحدث النوري وجدناه مصرحاً بفضله في العلم وتبصُّره بالمناظرات .
وحدث خالد بن صفوان قال :
أتينا زيد بن علي ( عليه السلام ) وهو يومئذ بالرصافة ،
فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم ، وجاءوا برجل قد انقاد له أهل
الشام في البلاغة والنظر في الحجج ، وكلَّمْنا زيدَ بن علي ( عليه السلام )
في الجماعة وقلنا : ( إن الله مع الجماعة ، وإن أهل الجماعة حجة الله على
خلقه ، وإن أهل القِلّة هم أهل البدع والضلالة ) .
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد وآله ، وتكلّم بكلام ما
سمعتُ قرشياً ولا عربياً أبلغَ موعظةً ولا أظهر حُجّةً ولا أفصح لهجة منه .
ثم أخرج كتاباً قاله في الجماعة والقِلة ذكر فيه مِن كتاب
الله ما يذم الكثير ويمدح القلة ، وأن القليل في الطاعة هم أهل الجماعة ،
والكثير في المعصية هم أهل البدع ، فأُفحم الشاميُّ وانخذل الشاميون فما
أجابوا بقليل ولا كثير ، وخرجوا من عنده صاغرين منكِّسين رؤوسهم حياء
وخجلاً .
ثم أقبلوا على صاحبهم يعذلونه ويقولون : ( زعمتَ أنك لا تدع
له حُجةً إلا رددتَها وكسرتها ، حتى إذا تكلم خرست ، فما تنطق بقليل ولا
بكثير ) .
فقال : وَيلَكم ، كيف أكلم رجلاً حاججني بكتاب الله ،
أفأستطيع أن أرد كلام الله تعالى ؟! فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك : ما
رأيت رجلاً في الدنيا قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج على زيد بن
علي ( عليه السلام ) .
مؤلفاته :
1 - المجموع الفقهي .
2 - المجموع الحديثي.
3 - تفسير غريب القرآن .
4 - إثبات الوصية .
5 - قراءة جده علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
6 - كتاب ( مدح القلة وذم الكثرة ) .
7 - منسك الحج .
مدرسته :
يظهر لكل من نظر في جوامع الأحاديث مقاصد زيد السامية
وغاياته الشريفة في نشر ما تحمله عن آبائه الهداة من الفضائل والمواعظ
والأحكام .
فإنه لا يريد بكل ذلك إلا إلقاء التعاليم الدينية
والأخلاقية ، وإصلاح أمة جده ( صلى الله عليه وآله ) بتهذيب أخلاقها
وإرشادها إلى نهج الحق واستضاءتها بنور ذلك الدين الحنيف .
ومن هنا كان مصدراً لجمع كبير من حملة الآثار وعليه مُعولهم ، لما عرفوا منه غزارة في العلم والنزاهة .
أن أبا حنيفة أخذ العلم والطريقة من الإمام الباقر و الإمام
الصادق ( عليهما السلام ) ومن عمه زيد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) .
و تتلمذ على زيد مدة سنتَين ، ولم يمنعه من التجاهر بذلك إلا سلطان بني أمية .
زهده وعبادته :
كان زيد بن علي ( عليه السلام ) يصلي الفريضة ، ثم
يصلي ما شاء الله ، ثم يقوم على قدمَيه يدعو الله إلى الفجر يتضرع له ويبكي
بدموعٍ جارية حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر قام وصلى الفريضة ، ثم جلس
للتعقيب إلى أن يتعالى النهار .
ثم يقوم في حاجته ساعة ، فإذا كان قرب الزوال قعد في
مُصَلاَّه سبح الله ومجده إلى وقت الصلاة ، وقام فصلى الأولى وجلس هنيئة ،
وصلى العصر وقعد في تعقيبه ساعة ثم سجد سجدة ، فإذا غابت الشمس صلى المغرب
والعتمة ، وكان يصوم في السنة ثلاثة أشهر.
خُطبه :
كان زيد معروفاً بفصاحة المنطق وجزالة القول ، والسرعة
في الجواب وحسن المحاضرة ، والوضوح في البيان والايجاز في تأدية المعاني
على أبلغ وجه .
وكان كلامه يشبه كلام جده علي بن أبي طالب ( عليه السلام )
بلاغةً وفصاحة ، فلا بِدعَ إِذاً إنْ عَدَّهُ الجاحظ من خطباء بني هاشم ،
ووصفه أبو اسحاق السبيعي والأعمش بأنه أفصح أهل بيته لِساناً وأكثرهم
بياناً .
ويشهد له أن هشام بن عبد الملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة
يبعث الكتاب أثر الكتاب إلى عامل العراق ، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ومنع
الناس من حضور مجلسه ، لأنه الجذاب للقلوب بعِلمه الجم وبيانه السهل ، وأن
له لساناً أقطع من السيف وأبلغ من السحر والكهانة .
البراءة من دعوى الإمامة :
من الجلي الواضح بُطلان نسبة دعوى الإمامة لتلك النفس
المقدسة والذات الطاهرة ، وكيف نستطيع أن ننسب له ذلك ونحن نقرأ جوابه
لولده يحيى حينما سأله عن الأئمة الذين يلون الخلافة وعليهم النص من النبي (
صلى الله عليه وآله ) .
فإن فيه صراحة بالبراءة من دعوى الإمامة ، واعتراف باستحقاق الإثني عشر من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة .
وهذا نص الحديث الذي يحدثنا عنه الحافظ علي بن محمد الخزاز الرازي القمي في كفاية الأثر ، بإسناده إلى يحيى بن زيد قال :
سألت أبي عن الأئمة ( عليهم السلام ) فقال :
الأئمة إثنا عشر أربعة من الماضين ، وثمانية من الباقين .
قلت : فسمِّهم يا أبت ، قال :
أما الماضون فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وعلي بن
الحسين ( عليهم السلام ) ، وأما الباقون فأخي الباقر وابنه جعفر الصادق ،
وبعده موسى ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده محمد ابنه ، وبعده علي ابنه ،
وبعده الحسن ابنه ، وبعده المهدي .
فقلت : يا أبتِ أَلَستَ منهم ؟ قال : لا ولكن من العترة ،
قلت : فمن أين عرفت أسماءهم؟ قال : عهد معهود عهده رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) .
ثورته :
إن السياسة الظالمة التي انتهجها الحكام الأمويون ،
وبالخصوص هشام بن عبد الملك كانت من أسباب ثورة زيد ، فالحكام كانوا قد
فرضوا ضرائب إضافية كالرسوم على الصناعات والحرف وعلى من يتزوج ، أو يكتب
عرضاً .
وقاموا بإرجاع الضرائب الساسانية ، التي تُسمى هدايا
النيروز ، وكانوا في بعض الأحيان يتركون للولاة جميع ما تحت أيديهم من
الأموال التي يجمعونها من الضرائب وغيرها ، وعلى سبيل المثال ترك الخليفة
لواليه على خراسان مبلغ عشرين مليون درهم ، وضمها الوالي لأمواله الخاصة
وأخذ يتصرف بها كيف يشاء وهي من أموال المسلمين .
هذه صورة مصغرة عن الوضع الاقتصادي المتدهور وسوء توزيع
الثروة المخالف لمبادئ الإسلام وقوانينه ، بالإضافة إلى الظلم السياسي
والقتل والإرهاب .
كُل ذلك دعا زيد إلى الثورة ضد هشام بن عبد الملك ، واختار
الكوفة منطلقاً لثورته ودعا المسلمين لمبايعته ، فأقبلت عليه الشيعة وغيرها
تبايعه حتى بلغ عددهم من الكوفة فقط خمسة عشر ألف رجلاً .
علق الكثير آمالهم على ثورة زيد ( عليه السلام ) ، وكانوا
يلحون عليه بالإسراع في ذلك ، ولكنه لم يعلن الثورة من أجل أن يتولى
الخلافة والإمامة بنفسه لأنه كان يعرف إمامه ، بل كان يدعو إلى الرضى من آل
محمد ( عليهم السلام ) طالباً الإصلاح في أمة جده التي أذاقها الأمويون
الظلم والجور .
شهادته :
ثار زيد مؤدياً تكليفه الشرعي واستشهد في سبيل ذلك في
الكوفة سنة ( 121 هـ ) ، وأمر الخليفة هشام بإخراج جثته من قبره وصلبه
عرياناً .
فكانت شهادته والتمثيل به حدثاً مروعاً هز وجدان الأمة الإسلامية ، وأذكى فيها روح الثورة ، وعجل سقوط الحكم الأموي .
إذ لم يمضي على استشهاده أكثر من أحد عشر عاماً مليئاً بالثورات والأحداث والانتفاضات حتى إنهار الحكم الأموي وولى إلى الأبد .
روى جابر بن عبد الله بخصوص زيد الشهيد عن الإمام الباقر (
عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه
السلام ) :
( يخرج رجل من صلبك يقال له زيد ، يتخطى وأصحابه يوم
القيامة رقاب الناس غُراً محجلين ، يدخلون الجنة بغير حساب ) . [ مقاتل
الطالبيين : ص 130 ] .
فسلام عليه يوم استشهد ويوم يبعث حياً ، وهنيئاً له الجنة مع الشهداء والأنبياء والصالحين .