الآثار الوضعية على المجتمع لانتشار المعاصي الاجتماعية والأخلاقية (1)
الشيخ علي رحمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيّين وسيّد المرسلين وأهل بيته الطيّبين الطاهرين.
إنّ لفعل المعاصي والتمادي في ارتكابها آثارًا موبقة وعواقب وخيمة، خصوصًا مع الإصرار عليها والتجاهر بها وشيوعها بين الناس من غير نكير.
وهذا واقع خطير قد يغفل عنه الكثير من الناس، ولو كانوا على بيّنة منه، لتراجع الكثير منهم، وتاب إلى ربّه توبة نصوحًا، ولو وقفوا على أن كثرة المعاصي وانتشارها، من أكبر أسباب ظهور الأمراض الغريبة المستعصية ومظاهر الفقر وفقدان الأمن وشيوع الجريمة، لهبّ كثير من الناس للوقوف في وجه مرتكبيها والمروّجين لها.
وتنقسم آثار المعاصي - إذا نظرنا إليها بلحاظ عالم وقوعها ومن تقع عليه - إلى عدة أقسام:
الأول: آثارها في عالم الأرحام والأصلاب، على النطف والأجنّة.
الثاني: آثارها في الحياة الدنيا، على الإنسان فردًا ومجتمعًا، وعلى الحيوان والنبات والطبيعة.
الثالث: آثارها في عالم القبر والبرزخ، على مرتكبيها ومن لهم صلة بها.
الرابع: آثارها في عالم القيامة، على فاعليها والراضين بفعلهم والساكتين عنهم بلا عذر.
وهذه مذكرة مختصرة تضع بعض آثار المعاصي والذنوب الموبقة في الحياة الدنيا أمام أعين مرتكبيها ومن تسوّل له نفسه الانضمام إلى قائمة مرتكبيها، وتبيّن آثارها المدمّرة لحياة الفرد ومصير المجتمع.
أولاً: تعريف المعاصي
المعاصي من العصيان، وهو خلاف الطاعة، عصى العبدُ ربَّه إذا خالف أمرهُ … (ابن منظور لسان العرب مادة عصا).
وقد جاء معنى العصيان بألفاظٍ كثيرةٍ في النصوص منها الذنب والخطيئة والسيئة والإثم والفسوق والفساد وغيرها.
ثانيًا: المعاصي كبائر وصغائر
قال تعالى ﴿إن تجتنبوا كبائرَ ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيّئاتِكم﴾. النساء:31
وفُسّرت الكبيرة بأنها: كل ذنب توعّد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز.
وقال آخرون: هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدًّا أو صرّح فيه بالوعيد.
وفي قول ثالث: المعاصي كلّها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض، وليس في الذنوب صغيرة، وإنما يكون صغيرًا بالإضافة إلى ما هو أكبر ويستحق العقاب عليه أكثر.
وقد أحصى الشيخ البهائي (قدس سره) عشرة آراء للعلماء في معنى الكبائر، ثم قال: فهذه عشرة أقوال في ماهية الكبيرة، وليس على شيء منها دليل تطمئن به النفس. ولعل في إخفائها مصلحة لا تهتدي إليه عقولنا، كما في إخفاء ليلة القدر والصلاة الوسطى وغير ذلك. (الأربعون حديثًا، ص380).
والتحقيق في معرفة الكبائر وفرقها عن الصغائر لا يمثّل أهمية فيما نحن فيه، فإن المعصية الصغيرة مع الإصرار عليها تصير كبيرة، وهذا ما يجعل كل المعاصي ذات العواقب الموبقة من الكبائر – غالبًا - مهما كان تفسيرها.
فقد ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار". ميزان الحكمة: 3/993.
وعن زيد الشحام عن الصادق (عليه السلام): "اتقوا المحقَّرات من الذنوب فإنها لا تغفر. قلت: وما المحقَّرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك". ميزان الحكمة: 3/992.
وفي بيان معنى الإصرار، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿... ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون﴾ (آل عمران/135)، قال: "الإصرار أن يذنب العبد الذنب ولا يستغفر، ولا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الإصرار". ميزان الحكمة: 3/993.
ثالثًا: آثار المعاصي:
هناك آثار عامة على المجتمع تنشأ من ارتكاب أو انتشار المعاصي أيًّا كان نوعها، وهناك آثار خاصة تنشأ عن ارتكاب معاصي بعينها، ومن هنا سوف نتحدث عن آثار المعاصي – إن شاء الله تعالى - في فصلين.
الفصل الأول: الآثار العامّة على المجتمع لانتشار المعاصي:
إن للمعاصي آثارًا عامة كبيرة على مرتكبها أو على أسرتهِ ومجتمعهِ وأمَّتهِ أو على مظاهر الحياة الأخرى كالأرض والسماء والبحرِ والدوابِّ والطير وغيرها، قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. الروم/41
ومن هذا اللون من الآثار:
1- هلاك الأمم:
وقد كان نزول الهلاك العام بسبب المعاصي جارٍ في الأمم السابقة قبل الإسلام، فأهلك الله قوم نوح بالطوفان، وقوم هود بالريح العقيم، وقوم صالح بالصيحة، وقوم لوط بقلب قريتهم وإمطارهم بحجارة من سجيل، وقوم شعيب بالرجفة والزلزال، وأهلك الله تعالى فرعون وجنوده بالغرق، وغيرهم بغير ذلك من ألوان العذاب.
قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾. النجم/50- 54
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ الفرقان/35-39
وقال تعالى: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ العنكبوت/40
وقد رفع الله تعالى عذاب الاستئصال والهلاك العام عن هذه الأمة رحمة منه سبحانه وتعالى بخاتم النبيّين وسيّد المرسلين النبيّ الأعظم محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام)، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. الأنفال/33
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) – لما سئل عن علة احتياج الناس إلى النبيّ والإمام – قال (عليه السلام): "لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أنّ الله عزّ وجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام". ميزان الحكمة: 1/117
ولكن لا يمنع هذا من نزول عذاب الاستئصال بشكل جزئي بسبب المعاصي، على بعض الطغاة والجبابرة مع أعوانهم والراضين بفعلهم، وهذا ما يخبر به التاريخ ويؤيّده الواقع وتشهد له الروايات.
2- ظهور الأمراض المستعصية والأوبئة الفتّاكة:
فالطاعون وكثير من الأمراض الفتاكة خصوصًا المعدية منها كالإيدز وافلونزا الطيور وجنون البقر وغيرها - في كثير من الأحيان( ) - عقاب من الله تعالى بما كسبت أيدي الناس من الآثام والمعاصي.
عن الإمام الرضا (عليه السلام): "كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يحتسبون". ميزان الحكمة: 3/995
وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):... لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتى يعلنوها إلا وظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا،...". ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق، ص252
فالذنوب أسباب للأمراض والأوجاع لعموم الآية الشريفة: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾.
في الحديث عن الصادق (عليه السلام): "أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾، ثمّ قال: وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به". ميزان الحكمة: 3/995
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "ما اختلج عرق ولا عثرت قدم إلا بما قدّمت أيديكم، وما يعفو الله عنه أكثر". ميزان الحكمة: 3/995
كثرة موت الفجأة:
والإحساس بازدياد حالات موت الفجأة - خصوصًا في زماننا الذي كثر فيه ارتكاب المعاصي – يشعر به كل أحد، لكثرة ما يراه الناس ويسمعون به من هذه الحالات، التي تتوزّع على جميع الفئات العمرية وتتركّز في الشباب من غير سابق إنذار، ويختطفهم الموت وهم في عمر الزهور.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "... لا يأمن البيات من عمل السيئات". ميزان الحكمة: 7/1002
بل إن السيئات أيضًا تعمل على بتر الأعمار وإنقاصها، ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): "من يموت بالذنوب أكثر ممّن يموت بالآجال". ميزان الحكمة: 3/995، وقد يكون موت الفجأة مظهر من مظاهر نقص الأعمار وليس شيئًا آخر.
والأخطر في هذا البلاء أنه يُسلَّط على أفراد المجتمع بشكل عام، ولا يقتصر على العصاة، بل يعمّ الجميع كأثر وضعي من آثار كثرة الذنوب وانتشار المعاصي، وقد عُدّ كثرة موت الفجأة من علامات قرب الساعة، وهو وقت تكثر فيه المعاصي وتنتشر.
عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): "من أشراط الساعة أن يفشو الفالج، وموت الفجأة". ميزان الحكمة: 7/2977
ويأتي بأن من الآثار الخاصة لانتشار الزنا موت الفجأة.
3 ـ سلب النعمة:
لقد أنعم الله تعالى على الإنسان نعمًا كثيرة ظاهرة وباطنة، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. النحل/18
وقال عزّ من قائل: ﴿... وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً... ﴾. لقمان/20.
وتعدّ من أكبر نعم الله تعالى على الإنسان، نعمة الإيجاد والعقل ونعمة الإيمان والدين ونعمة الأمان والعافية والرزق ووو... إلى ما لا حصّر لها ولا عد.
والأصل في هذه النعم أن تبقى وتدوم، فإنّ المقتضي لحدوثها - وهو سعة رحمة الله وجوده وعطاءه الذي لا نفاد له - يقتضى بقاءها أيضًا، إلا أنّها قد تُسلب وتزول بحدوث المانع، ومن أبرز أسباب منع بقاء النعم المعاصي وعدم المبالاة بارتكاب الذنوب.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "كان أبي (عليه السلام) يقول: إنّ الله قضى قضاءً حتمًا ألا ينعم على العبد بنعمةٍ فيسلبها إياه حتى يحدث العبد ذنبًا يستحق بذلك النقمة". أصول الكافي، ج2، ص273
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما زالت نعمةٌ ولا نضارةُ عيشٍ إلا بذنوب اجترحوا، إنّ الله ليس بظلام للعبيد". ميزان الحكمة 3/994
4 ـ منع استجابة الدعاء:
كثيرًا ما يقف الإنسان المؤمن متحيّرًا تجاه عدم إجابة الدعاء أو تأخّر الإجابة، مع كثرة ما ورد في شأن الدعاء وأثره الكبير والسريع في تغيير الأمور ودفع البلاءات المبرمة، ولكنه يغفل عن جانب آخر في المقام، وهو معوقات إجابة الدعاء وأسباب حبسه، والتي على رأسها، معاصي العباد وذنوبهم.
في دعاء كميل (رضي الله عنه): "اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء".
وعن زين العابدين (عليه السلام): "والذنوب التي ترد الدعاء: سوء النيّة، وخبث السريرة، والنفاق، وترك التصديق بالإجابة، وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرّب إلى الله عزّ وجلّ بالبرّ والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول". الدعاء عند أهل البيت (ع)، ص121، عن معاني الأخبار، ص271
قال الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ العبد يسأل الله الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، فيذنب العبد ذنبًا، فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقض حاجته وأحرمه إيّاها، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي". الدعاء عند أهل البيت (ع)، ص122، عن أصول الكافي: 3/ 273
5- الفتور واستثقال العبادة:
إنّ إقبال العبد على العبادات من نوافل وأذكار وأدعية وتلاوة وغيرها، يمثل مستوى من مستويات الهداية والتوفيق.
وإذا حلّت الهداية قلبًا نشطة للعبادة الأعضاء.
ونرى أنّ الكثير من الناس يعيشون الحرمان من هذه الهداية، مع علمهم بفضل العبادة وأثرها الإيجابي الكبير في حياة العابد، وما له من منزلة رفيعة عند الله تعالى.
فما الذي يثقل عليهم العبادات والطاعات؟ وما الذي يحيل بينهم وبين المواظبة عليها؟
الجواب: إنّ الذنوب والمعاصي هي أكثر الأسباب تأثيرًا في إدبار القلب عن العبادة بمعناها الحقيقي، والمانع الأكبر من التنوّر بهذه الهداية.
جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد حرمت الصلاة بالليل. فقال (عليه السلام): "أنت رجل قد قيدتك ذنوبك". الدعاء عند أهل البيت (ع)، ص120، عن علل الشرائع: 2/51
وعن الصادق (عليه السلام): "إنّ الرجل يذنب الذنب، فيحرم صلاة الليل، وإنّ العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم". الدعاء عند أهل البيت (ع)، ص122، عن أصول الكافي: 2/ 272
بل إنّ المعاصي والإصرار عليها تبني حائلاً يمنع من إدراك الحقائق الواضحة، وتوسع ما بين العاصي وربّه من مراحل الهجران والبعد، إلى أن تصل إلى مرحلة الكفر والتكذيب بآيات الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾.
﴿ثمّ كان عاقبة الذين أساؤوا السُّوأَى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون﴾.
قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم): "فإنّ المعاصي تستولي الخذلان على صاحبها حتى توقعه في ردّ ولاية وصي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ودفع نبوة نبي الله، ولا تزال أيضًا بذلك حتى توقعه في دفع توحيد الله والإلحاد في دين الله".
6ـ الفقر وقطع الرزق:
قال الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ العبد ليذنب الذّنب فيزوي عنه الرزق". ميزان الحكمة: 3/995
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "احذروا الذنوب، فإنّ العبد ليذنب فيحبس عنه الرزق". ميزان الحكمة: 3/995
والفقر كما يقع على الأفراد والأسر، يقع أيضًا على الدول( ) والأقاليم والقارات، فتوصف الدولة أو الإقليم أو القارة بالفقر، وهذا اللون من الفقر أشدّ بلاء وأكثر ضررًا، وتنعكس آثاره سلبًا على مستوى التعليم والرعاية الصحية والتربوية، فضلاً عن الغذاء والسكن.
وفي الوقت الذي تكون كثرة المعاصي والانحرافات من جملة أسباب الفقر، يقوم الفقر بعد أن يتمكن من المجتمع بدور السبب في توسيع رقعة الجرائم والانحرافات الأخلاقية والاجتماعية.
في الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "كاد الفقر أن يكون كفرًا". ميزان الحكمة: 6/2438
8- تسلّط الظلمة والأشرار:
وهذه نتيجة طبيعية لعاقبة مجتمع تكثر فيه المنكرات والتجاهر بالمحرّمات، ولا تجد من ينهى عنها أو يقف في طريق انتشارها.
وما نراه اليوم وقبل اليوم من تسلّط الظلمة والطغاة على رقاب المسلمين، سببه الأكبر والأهم البعد عن تعاليم شرع الله تعالى وارتكاب المنحرفين والأشرار للمعاصي والتجاوزات الشرعية، مع عدم تصدّي الآخرين للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات.
وهذا يعدّ – في حدّ ذاته – بمنزلة التواطؤ على إخفاء الفضيلة ونشر الرذيلة من الفريقين، فالأشرار يرتكبون، والأخيار يداهنون، وهو يمثّل منزلة من منازل الخروج من ولاية الله تعالى والدخول في ولاية الطاغوت وهيمنته، فيتسلّط الأشرار على الناس، ويدعو الأخيار فلا يستجاب لهم، جزاءً بما كانوا يكسبون.
في الرواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم". ميزان الحكمة: 5/1945
9- سلب الأمان من الأوطان:
قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. النحل/112
عن تفسير القمي: نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان (الثرثار)، وانت بلادهم خصبة كثيرة الخير، وكانوا يستنجون بالعجين ويقولون هذا ألين، فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله، فحبس الله عليهم البليان (الثرثار) فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه. (تفسير نور الثقلين: 3/91).
ولا شك أنّ الاستقرار الأمني من أكبر نعم الله تعالى على الشعوب، ولأجله ترصد الميزانيات الضخمة، والأموال الطائلة، إذ مع فقده تتحول القرى والمدن إلى ساحات أشباح، لا أحد من الناس يأمن على ماله وعِرضه ونفسه، ويتوقف المبدعون وأهل الحِرَفِ عن الإنتاج والتطوير.
ولانتشار المعاصي والخطايا دور كبير فيما يعيشه العالم اليوم من الحروب الطاحنة والعمليات الإرهابية المنظمة وغير المنظمة التي تنال الناس قتلاً وسلبًا وخطفًا وتهجيرًا وتنكيلاً، حتى أن الإنسان في بعض البلاد يرى أنّ بطن الأرض خير له من ظهرها، وهذه علامة من علامات آخر الزمان، على ما ورد في الروايات.
10- نزع البركة من الأشياء:
البركة بالحقيقة هي الخير المستقر في الشيء اللازم له، كالبركة في النسل وهي كثرة الأعقاب أو بقاء الذكر بهم خالدًا، والبركة في الطعام أن يُشبَعَ به خلق كثير مثلاً، والبركة في الوقت أن يَسَعَ من العمل ما ليس في سعة مثله أن يسعه. (تفسير الميزان: 7/281).
وعن الرضا (عليه السلام): "أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من الأنبياء: إذا أُطعتُ رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية". ميزان الحكمة: 1/256
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "بالعدل تتضاعف البركات". ميزان الحكمة: 1/256
وعلى العكس من ذلك إذا تجاوز الناس حدود الشرع، وانتشر بينهم الكفر والفسوق والعصيان، فإنّ الأشياء تفقد بركتها وخيرها المودع فيها.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. الأعراف/96
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا ظهرت الجنايات ارتفعت البركات". ميزان الحكمة: 1/257